لفصاحة رسول الله وحسن بيانه بعد الفيض الإلهي أسباب، منها أنه قرشي، وقريش أفصح العرب لساناً، وأبرعها بياناً، وإنه نشأ في بني سعد حيث استرضع فيهم، وبنو سعد من أرقى قبائل العرب فصاحة.
وبذلك جمع الرسول الأكرم بين جزالة كلام البادية، ورونق كلام الحاضرة.
ولنزول القرآن الكريم عليه - وهو البالغ مرتبة الإعجاز - أثر كبير في سمو فصاحته.
رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سحابة في يوم دجن، فقال لمن كان في الحضرة: "كيف ترون بواسقها؟"(2).
قالوا: ما أحسنها، وأشد تراكمها.
قال: "كيف ترون قواعدها؟"(3).
قالوا: ما أحسنها، وأشد تمكنها.
قال: "كيف ترون رحاها؟"(4).
قالوا: ما أحسنها، وأشد استدارتها.
قال: "كيف ترون جونها؟"(5).
قالوا: ما أحسنه، وأشد سواده.
قال: "كيف ترون بريقها: أخفياً أو ميضاً، أم يشق شقاً؟".
قالوا: بل يشق شقاً.
فقال: "الحي"(6).
فقال رجل: يا رسول الله ما أفصحك! ما رأينا الذي هو أعرب منك.
قال: "حق لي؛ فإنما نزل القرآن عليَّ بلسان عربي مبين".
ولسعة العلم بلهجات العرب دخل كثير في إحراز المرتبة العليا في مرتبة الفصاحة، وقد أَطْلَع اللهُ الرسول الأكمل على لهجات العرب؛ فكنت موضوعة أمامه يتناول منها ما يشاء.